[color=blue][size=24]
[center]
المؤمن فى الدنيا قليل الفرح كثير الحزن و التفكر مشغول بمصيره ومستقبله يوم القيامة .
وليس معنى هذا انه لا يفرح كلا يفرح ولكن مع الفرق بين فرحه وفرح المنافق لأن المؤمن يفرح بكل ما أعانه الله عليه فى أمور الطاعة وبما وفقه الله فى العبادات. ويسبشر بذلك ويرجى أن يكون هذا التوفيق علامة على القبول.
والمؤمن لا يفرح بشىء من الدنيا أقبل . ولا يحزن على شىء من الدنيا أدبر . بل يفرح من أجل الدين فقط ومن أجل الحق .
ففرحه كله لله . لا ريائا ً ولا لنفسه . يفرح إذا قل الشر والفساد حتى وإن لم يزل بالكلية
قال الله تعالى : ( ألم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصرمن يشاء ) .
فعندما نتأمل فى فرح المؤمن المذكور فى هذه الآيات فنجد أنهم يفرحون بأنتصار الروم على الفرس مع أن الروم كفار والفرس كفار .ولكن كفر الفرس أغلظ من كفر الروم . والفرس ليس لهم كتاب أما الروم فلهم كتاب . فمعنى انتصار الروم هو تغلب الكتاب وقلة الكفر و الفساد و الشر . ومعنى إنتصار الروم هو إنتصار أهل الحق على أهل الباطل . وهذا نوع من أنواع الفرح الذى يفرح بها المؤمن فى الدنيا.
وهناك نوع آخر من أنواع الفرح الذى يفرح به المؤمن فى الدنيا هو الفرح بكتاب الله تبارك وتعالى . الفرح بقراءة وحفظه . قال تعالى : ( ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فاليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون ) .
إن الله عزَّ وجل ، بقسطه وعدله جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن بالسخط والشك، فالساخط والشاك لا يذوق للفرح طعمًا، ولا يرى له طيفًا؛ لأن الساخط العيش كثير الطيش، بل إن حياته كلها سواد ممتد وليل حالك لا يعقبه نهار إلا بفضل من الله ومَنَّ، فهو دائم الكآبة ضيق بالناس، ضيق بنفسه، كأن الدنيا في عينه سمّ الخياط حتى يكون حرضًا أو يكون من الهالكين.
وإن المقاصد المثيرة للفرح برمتها منها ما هو شريف ومنها غير شريف، والإسلام بشرعته ومنهاجه يحرض أتباعه في كل حين على أن يفرحوا بما يحمد ويذكر، من الأمور والأعمال الظاهرة والباطنة؛ ولأجلها نهاهم-جلَّ وعلا-عن أن يفرحوا بزخرف الدنيا ومتاع الحياة الزائل، أو يفرحوا بالسطوة في الأرض بغير الحق، أو يفرحوا فرح الاعتزاز أو الافتخار الكاذب: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}[الرعد:26]، {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:75]
الفرح شأنه شأن الوعاء، الحكم عليه مبني على ما يكون فيه من المادة الداعية إليه، فالفرح إنما يكون محمودًا حينما تجده في مقابل نعمة التوفيق بطاعة من الطاعات أو قربة من القربات، أو كفرحة المجاهد الذي قهر شهواته وقاوم رغباته، أو كانتصار ما يحبه الله على ما لا يحبه، وكذا دفع الباطل بالحق فإذا هو زاهق: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم:4-5].
وإن للمسلمين كل الحق في أن يبتهجوا ويفرحوا؛ إذا نالوا نعمة خالصة أو أمنية خالية من شوائب الحظوظ العاجلة في دينهم ودنياهم مما يضر ولا ينفع، ولكنهم يفرحون إذا فرحوا فرح الأقوياء والأتقياء، وهم في الوقت نفسه لا يبغون ولا يزيغون ولا ينحرفون عن الصواب ولا يتعسفون، ناهيكم عن كونهم يعمرون فرحتهم بذكر ربهم الذي أتمَّ عليهم نعمته ورزقهم من الطيبات، وهيَّأ لهم في كونه كثيرًا من أسباب البهجة والسرور، بل ولربما تعدَّى الأمر إلى أبعد من ذلك حتى إلى مقابلة الابتلاء والامتحان بالفرح لما يفضي إليه، من محو للسيئات ورفع للدرجات.
فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله تعالى عنه-قال: دخلت على النبي-صلى الله عليه وسلم-وهو يُوعَك، فوضعت يدي عليه؛ فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف، فقلت: يا رسول الله! ما أشدها عليك، قال: (إنا كذلك يضعَّف لنا البلاء ويضعَّف لنا الأجر)، قلت: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاء، قال: (الأنبياء)، قلت: يا رسول الله! ثم من؟ قال: (ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)[1].
الفرح المحمود -عباد الله- يترجم في الواقع بما تحمله في طيات نفسك لأخيك المسلم، فتفرح لفرحه وتسر لوصول النعمة إليه، أضف إلى ذلك الفرح حينما يسلم عبد أو يتوب عاصٍ، كما فرح الصحابة-رضي الله عنهم-بإسلام الفاروق-رضي الله عنه-أو غيره من الصحابة، لا الازدراء الموجه تجاه من يتمسك بدينه ويعتز بكونه من ركاب الصالحين والطائفة الناجية المنصورة.
قال أبو هريرة-رضي الله عنه-: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأنا أبكي قلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره؛ فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (اللهم اهدِ أم أبي هريرة)، فخرجت مستبشرًا بدعوة النبي-صلى الله عليه وسلم-، فلما جئت وصرت إلى الباب، فإذا هو مجافى، فسمعت أمي خجف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه"[2].
الفرح المحمود يرعاكم الله في مثل فرح الصائم بفطره الذي عناه المصطفى-صلى الله عليه وسلم-بقوله: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذ أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)[3].
الفرح المحمود فرح المؤمن بشريعة ربه، وأمره ونهيه، وعدم التقديم بين يدي الله ورسوله، بل يفرح أشد الفرح إن كان ممن عناه الله بقوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}[النور:51]، أو ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ}[الرعد:36].
ففي هاتين الآيتين دعوة محضة للارتقاء بفرح القلب بالإسلام ومجيء المصطفى-صلى الله عليه وسلم-، خلافًا لمن يشاققون بها أو يناقشون: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:57-58].
روى ابن أبي حاتم بسنده لما قدم خراج العراق إلى عمر-رضي الله عنه-، خرج عمر ومولىً له، فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: "الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا من فضل الله ورحمته، فقال عمر: كذبت ليس هذا الذي يقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58] وهذا مما يجمعون".
أما الجانب الآخر من جانب الفرح هو الفرح المذموم، وهو الذي يولِّد الأشر والبطر، وهو ما كان ناتجًا عن الغفلة والخواء، وقد ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}[الناس:4] أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس، والشخص المكثر من الفرح في الإسراف مما هو متاع الدنيا وزخرفها هو المعني بمثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}[القصص:76]، وليس من شأن المسلم أن يكون مفراحًا إلى درجة الإسراف؛ إذ ما من شيء من أمور الدنيا إلا والإسراف يشينه كما أن الاعتدال يزينه، إلا عمل الخير ولذلك قيل: لا خير في الإسراف ولا إسراف في الخير
ومن هذا المنطلق فإن الإسراف في الفرح بالدنيا ، مدعاة للخروج عن المقصود بل ولربما أدَّى إلى الوقوع فيما لا يرضي الله من معاصي أو ضجيج وأهازيج، تقلق الذاكر، وتنغص الشاكر، لقد سمعتم الحديث الدال على أن شدة الفرح مدعاة للوقوع في الخطأ كما في قصة صاحب الراحلة حين قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك.
ناهيكم عباد الله! عن ذم الفرح بالمعصية والمجاهرة بها والافتخار في نشرها أو الشروع بالألقاب والمدائح لفاعلها، ووصفهم بالتحرر أو التنور بما يصيغونها فيه على هيئة مقالات أو روائيات على حين فترة من التذكير بقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)[4].
ومن الطوام العظام في الفرح المذموم فرح المرء بالعمل وإظهاره للناس والتسميع والمراءاة به، ورسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: (من سمَّع؛ سمَّع الله، به ومن راءى؛ راءى الله به)[5]، ويشتد الأمر خطورة حينما يفرح المرء بما لم يفعل من باب الرياء والتكبر، ففيهم يقول-جلَّ وعلا-: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران:188].
ومثل ذلك في الخطورة فرح المرء بتقصيره في طاعة الله أو تخلُّفه عن ركب الصلاح والاستقامة، ونكوصه عن دعوة الداعي وأمر الآمر ونهي الناهي: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة:81-82].