ليلة القدر والعشر الأواخر من رمضانالحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حبيبي في الله ..
ها قد بلغنا آخر المحطات ، وآن أوان الجد والاجتهاد ، إننا في مرحلة ( وسارعوا ) و( سابقوا ) فأخرج كل ما بوسعك من جهد فالغنيمة عظيمة ، والثمرة تستحق بذل الغالي والنفيس للحصول عليها ، الثمرة هذه المرة ( ليلة القدر )] وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [
اجتهد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته اجتهادًا شديدًا ، فقيل له : لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق ؟ فقال : إنَّ الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها .
فجدَّ واجتهد ، فقد كان رسول الله إذا دخل العشر شد مئزره ، و أحيا ليله ، و أيقظ أهله .[ متفق عليه ]،
وكانت أمنا عائشة تقول : كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره .[ رواه مسلم ] ،
فإياك أن تكون من المحرومين.
قال النبي : ] إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرمها فقد حرم الخير كله ، و لا يحرم خيرها إلا محروم [ [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني ]
وكيف لا يُحرم الخير كله ؟
وهي أعظم ليالي الدهر ، ليلة مباركة العمل فيها يضاعف أكثر من العمل في ألف شهر ، ليلة تضيق فيها الأرض من كثرة الملائكة ، ليلة الشرف من تحرَّاها صارت له المنزلة عند الله ، ليلة يباهي الله فيها الملائكة بعباده الصالحين ، و فيها يقدر الله تعالى لملائكته جميع ما ينبغي أن يجري على أيديهم من تدبير بني آدم ومحياهم ومماتهم إلى ليلة القدر من السنة القابلة ، وهي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا يحدث فيها أذى ، وهي سبب للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة ، فقد قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "[ متفق عليه ]
أحبتي في الله ... وقد أمرنا رسول الله بتحريها في أوتار العشر الأواخر من رمضان ، وكان سلفنا الصالح يحتاطون فيتلمسون ليلة القدر في جميع ليال العشر .
والصحيح في علامتها ، أنْ تشرق الشمس يومها لا شعاع لها ، فقد قال : ] ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة و لا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء [[ رواه البيهقي في سننه وصححه الألباني].
وكان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان وفي العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً طلبًا لهذه المنحة الربانية العظيمة ، فالمقصود من الاعتكاف : تحري ليلة القدر ، و الخلوة بالله عز وجل ، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم الأنس بالله عز وجل وذكره ، وإصلاح القلب ، فإذا كان بإمكانك الاعتكاف فلا تدعه فإنَّه سنة مؤكدة عن رسول الل ، وإن لم يكن بإمكانك فلا أقل من المكث طيلة الليل في المسجد للصلاة والذكر والدعاء ، فعساك توفق لليلة القدر فتجدك الملائكة مقيمًا على طاعة في بيت من بيوت الله ، وهذا – لا ريب – أدعى للرحمة .
نصائح العشر
(1) لا نوم في ليالي العشر :فقد كان النبي يحيي ليالي العشر وهذا بالتهجد فيها والصلاة .
(2) أعن الأهل على العمل الصالح .ففي حديث أبي ذر أن النبي لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين
وخمس و عشرين ذكر أنه دعا أهله و نساءه ليلة سبع و عشرين خاصة ، و هذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر .
قال سفيان الثوري : أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل و يجتهد فيه ، و ينهض أهله و ولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك .
(3) أكثر من الدعاء فيها :فقد أمر النبيأم المؤمنين عائشة بالدعاء فيها . قالت عائشة - رضي الله عنها - للنبي : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال : ] قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني [.
وكان سفيان الثوري يقول : الدعاء في تلك الليلة أحبُّ إليَّ من الصلاة ، و إذا كان يقرأ ، وهو يدعو ، ويرغب إلى الله في الدعاء و المسألة لعله يوافق . فكثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء ، و إن قرأ و دعا كان حسناً .
(4) تطهير الظاهر والباطن : فقد كان السلف يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر ، و منهم من كان يغتسل و يتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر ، فلا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره و باطنه .
(5) ليلها كنهارها لا تغفل عن ذلك ، فقد ذهب بعض السلف إلى اعتبار ليلة القدر كنهارها في لزوم الاجتهاد في العمل الصالح .
قال الإمام الشافعي: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها . وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره .
(6) من أشرف العبادات التي تتقرب إلى الله بها في هذا الوقت " التبتل " أي الانقطاع إلى الله ، قال تعالى : ] وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [ [ المزمل : 8-9 ] ففرِّغ قلبك له ، فلا جدال ، لا مناقشات ، لا اختلاط فاحش ، أغلق الهاتف ، وانس همومك ، ودع مشاغلك ، عليك بالانفراد بنفسك والتحلي بمناجاة ربك وذكره ودعائه .
(7) تحسس قلبك ، راقب نيتك ، فنية المرء خير من عمله ، فاحتسب وتقرب .
(
تذكر أنه على قدر اجتهادك ستكون منزلتك ، فلا تدع بابًا للخير إلا طرقته ، وتنوع الطاعات علاج لطبيعة الملل عند الإنسان
.
(9) عليك بالمجاهدة والمعاناة مع الصبر والاصطبار قال بعضهم : من أراد أن تواتيه نفسه على الخير عفواً فسينتظر طويلاً بل لابد من حمل النفس على الخير قهراً .
(10) قلل من كلامك ، فأحصِ عدد كلماتك في اليوم والليلة فعليك بهذه الأمور ، فعليك بالصمت ، فمن صمت نجا .
(11) تذكر هذا زمان السباق ، فلا ترضَ بالخسارة والدون : قال أحدهم : لو أنَّ رجلاً سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمَّا ما كان ذلك بكثير . فهل ترضى بهذا الحرمان ، يفوز الناس بالمغفرة والرحمة والعتق وتضاعف أعمالهم ، ويبغون الجنة ، وأنت في مكانك كبلتك الخطايا ، لا .. لا يمكن أن ترضى ، لذلك ستجتهد حتمًا بإذن الله .
(12) أحسن الظن بالله ، فلو فاتك شيء قم واستدرك لعلك تعوضه ، فإنَّه يمنع الجود سوء الظن بالمعبود ، ولو أحسنت الظن بالله ستحسنُ العمل ، لأنك ستحبه حبًا عميقًا . اللهم نسألك حبَّك ، وحبَّ من يحبك ، وحب كل عمل يقربنا إلى حبِّك
.
(13) لتكن لك عبادات في السر ، لا يطلع عليها إلا الله ، فهذا أدعى للإخلاص .
قال : ] صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا و عشرين [[ رواه أبو يعلى وصححه الألباني ]
(14) اجمع بين الكم والكيف ، نريد أعمالًا ضخمة فذة كبيرة ، لم تصنعها في عمرك ، هذا العام ستقوم بها ، نعم ستقوم بها ، فهي علامة صدقك في طلب رضا الآخرة ، وابتغائك ما عنده من الخير العميم ، ولن ترضى عن نفسك حتى تصنع أقصى ما تستطيع ، وبعدها ستقول : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك .
[/size]
[/color][/color]